حديث إكرام الضيف -الأربعون النووية - مسلمون

بسم اللّٰه والحمدلله والصلاة والسلام على رسول اللّٰه ﷺ، أشرف الخلق وإمام المرسلين سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد... 


حديث إكرام الضيف -الأربعون النووية - مسلمون


عنوان الحديث 

إكرام الضيف.

نص الحديث                

عن أبي هُريرةَ رَضِي اللهُ عَنْهُ، أنَّ رسولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قالَ: {مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَصْمُتْ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ، وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ}. 

الرواه

البخاريُّ ومسلمٌ.

إعراب مفردات الحديث             

{من}: اسم شرط جازم مبني على السكون في محل رفع مبتدأ، خبره الجملة الشرطية بعده.

{كان}: فعل ماضٍ ناقص مبني على الفتح في محل جزم اسم الشرط، واسمها ضمير مستتر جوازًا تقديره هو.

{يؤمن}: فعل مضارع مرفوع وعلامة رفعه الضمة والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو.

والجملة في محل نصب خبر كان.

{بالله}: جار ومجرور متعلقان بيؤمن.

{واليوم}: معطوف على لفظ الجلالة مجرور وعلامة جره الكسرة.

{الآخر}: صفة ليوم مجرور وعلامة جره الكسرة.

{فليقل}: الفاء واقعة في جواب الشرط.

{اللام}: لام الأمر.

{يقل}: فعل مضارع مجزوم بلام الأمر والفاعل ضمير مستتر جوازًا تقديره هو والجملة في محل جزم جواب الشرط.

{خيرًا}: مفعول به منصوب وعلامة نصبه الفتحة.

{أو}حرف عطف.

{ليصمت}: إعراب ليقل.

{ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم}: تعرب إعراب الجملة السابقة.

{جاره}:{جار}: مفعول به منصوب بالفتحة، وهو مضاف، الهاء ضمير متصل مبني على الضم في محل جر مضاف إليه.

{ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه}: تعرب إعراب الجملة السابقة.

شرح الحديث لإبن عثيمين 

"مَنْ كَانَ يُؤمِنُ" هذه جملة شرطية، جوابها: "فَليَقُلْ خَيْرًا أَو لِيَصْمُتْ" ، والمقصود بهذه الصيغة الحث والإغراء على قول الخير أوالسكوت كأنه قال: إن كنت تؤمن بالله واليوم الآخر فقل الخير أو اسكت.

"فَلَيَقُلْ خيرًا" اللام للأمر، والخير نوعان: خير في المقال نفسه، وخير في المراد به.

أما الخير في المقال: فأن يذكر الله عزّ وجل ويسبّح ويحمد ويقرأ القرآن ويعلم العلم ويأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، فهذا خير بنفسه.

وأما الخير لغيره: فأن يقول قولًا ليس خيرًا في نفسه ولكن من أجل إدخال السرور على جلسائه، فإن هذا خير لما يترتب عليه من الأنس وإزالة الوحشة وحصول الإلفة، لأنك لو جلست مع قوم ولم تجد شيئًا يكون خيرًا بذاته وبقيت صامتًا من حين دخلت إلى أن قمت صار في هذا وحشة وعدم إلفة، لكن تحدث ولو بكلام ليس خيرًا في نفسه ولكن من أجل إدخال السرور على جلسائك، فإن هذا خير لغيره.

" أو لِيَصْمُتْ" أي: يسكت.

"وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ جَارَهُ" أي جاره في البيت، والظاهر أنه يشمل حتى جاره في المتجر كجارك في الدكان مثلًا، لكن هو في الأول أظهر أي الجار في البيت، وكلما قرب الجار منك كان حقه أعظم.

وأطلق النبي ﷺ الإكرام فقال: "فليُكْرِم جَارَهُ" ولم يقل مثلًا بإعطاء الدراهم أو الصدقة أو اللباس أو ما أشبه هذا، وكل شيء يأتي مطلقًا في الشريعة فإنه يرجع فيه إلى العرف، وفي المنظومة الفقهية: وكلُّ ما أتى ولم يحدد بالشرع كالحرز فبالعرف أحدد. 

فالإكرام إذًا ليس معينًا بل ما عدّه الناس إكرامًا، ويختلف من جار إلى آخر، فجارك الفقير ربما يكون إكرامه برغيف خبز، وجارك الغني لايكفي هذا في إكرامه، وجارك الوضيع ربما يكتفي بأدنى شيء في إكرامه، وجارك الشريف يحتاج إلى أكثر. 

والجار: هل هو الملاصق، أو المشارك في السوق، أو المقابل أو ماذا؟

هذا أيضًا يرجع فيه إلى العرف، لكن قد ورد أن الجار أربعون داراً من كل جانب، وهذا في الوقت الحاضر صعب جدًا.

في عهد النبي ﷺ أربعون دارًا مساحتهم قليلة، لكن في عهدنا أربعون دارًا قرية، فإذا قلنا إن الجار أربعون دارًا والبيوت قصور صار فيها صعوبة، ولهذا نقول: إن صح الحديث فهو مُنَزَّل على الحال في عهد النبي ﷺ، وإن لم يصح رجعنا إلى العرف.

" وَمَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليُكرِمْ ضَيْفَهُ" الضيف هو النازل بك، كرجل مسافر نزل بك، فهذا ضيف يجب إكرامه بما يعد إكرامًا.

قال بعض أهل العلم -رحمهم الله-: إنما تجب الضيافة إذا كان في القرى أي المدن الصغيرة، وأما في الأمصار والمدن الكبيرة فلايجب، لأن هذه فيها مطاعم وفنادق يذهب إليها ولكن القرى الصغيرة يحتاج الإنسان إلى مكان يؤويه.

ولكن ظاهر الحديث أنه عام: "فَليُكْرِمْ ضَيْفَهُ". 


فوائد الحديث لإبن عثيمين 


١- وجوب السكوت إلا في الخير، لقوله ﷺ: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليَقُلْ خَيرًا أو لِيَصمُتْ" هذا ظاهر الحديث، ولكن ظاهر أحوال الناس أن ذلك ليس بواجب، وأن المقال ثلاثة أقسام: خير، وشر، ولغو.

فالخير: هو المطلوب.

والشر: محرم، أي أن يقول الإنسان قولًا شرًا سواء كان القول شرًا في نفسه أو شرًا فيما يترتب عليه.

واللغو: ما ليس فيه خير ولاشرّ فلا يحرم أن يقول الإنسان اللغو، ولكن الأفضل أن يسكت عنه.

ويقال: إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب، وكم كلمة ألقت في قلب صاحبها البلاء، والكلمة بيدك ما لم تخرج من لسانك، فإن خرجت من لسانك لم تملكها.

وإذا دار الأمر بين أن أسكت أو أتكلم فالمختار السكوت، لأن ذلك أسلم.

٢- الحث على حفظ اللسان لقوله ﷺ: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ باللهِ وَاليَومِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيرًا أَوْ لِيَصْمُتْ" ولما حدث النبي ﷺ معاذ بن جبل رضي الله عنه قال له: أَلا أُخْبِرُكَ بِمِلاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ؟ قَالَ: بَلَى يَارَسُولَ اللهِ، فَأَخذَ بِلِسَانِ نَفْسِهِ وَقَالَ: كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا، قَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟

قَالَ: ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَامُعَاذُ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّار عَلَى وُجُوهِهِم، أَو قَالَ: "عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلاَّ حَصَائِدُ أَلسِنَتِهِمْ" فاحرص على ألا تتكلم إلا حيث كان الكلام خيرًا، فإن ذلك أقوى لإيمانك وأحفظ للسانك وأهيب عند إخوانك.

٣- وجوب إكرام الجار لقوله ﷺ: "مَنْ كَانَ يُؤمِنُ بِاللهِ واليَومِ الآخِرِ فَليُكرِمْ جَارَهُ" وهذا الإكرام مطلق يرجع فيه إلى العرف، فتارة يكون إكرام الجار بأن تذهب إليه وتسلم عليه وتجلس عنده. وتارة تكون بأن تدعوه إلى البيت وتكرمه. وتارة بأن تهدي إليه الهدايا، فالمسألة راجعة إلى العرف.

٤- أن دين الإسلام دين الألفة والتقارب والتعارف بخلاف غيره، فإنك ترى أهل الملة الواحدة لايكاد يعرف بعضهم بعضًا، متفرقون، حتى الجار لايدري ماذا يحدث لجاره.

٥- وجوب إكرام الضيف بما يعد إكرامًا، وذلك بأن تتلقاه ببشر وسرور، وتقول: ادخل حياك الله وما أشبه ذلك من العبارات.

وظاهر الحديث أنه لافرق بين الواحد والمائة، لأن كلمة (ضيف) مفرد مضاف فيعم، فإذا نزل بك الضيف فأكرمه بقدر ما تستطيع.

لكن إذا كان بيتك ضيقًا ولامكان لهذا الضيف فيه ولست ذا غنى كبير بحيث تعد بيتًا للضيوف، فهل يكفي أن تقول: يا فلان بيتي ضيق والعائلة ربما إذا دخلت أقلقوك، ولكن خذ مثلًا مائة ريال أو مائتين -حسب الحال- تبيت بها في الفندق فهل يكفي هذا أو لايكفي؟

الجواب: للضرورة يكفي، وإلا فلا شك أنك إذا أدخلته البيت ورحبت به وانطلق وجهك معه أنه أبلغ في الإكرام، ولكن إذا دعت الضرورة إلى مثل ما ذكرت فلابأس، فهذا نوع من والإكرام.

والله أعلم.

تعليقات